في دار المسنين لا ترى غير وجوه شاحبة سلبها
خريف العمر وجحود الأقربين ملامح الجمال وبريق الحياة فأصبحت ذابلة مقطبة تملؤها تجاعيد
الحزن والحسرة.. لا ترى غير هياكل بشرية خاوية تركها الاهل في عالم العزلة ليغتالها
اليأس والإحباط. في دار المسنين رأينا خلف هذه الوجوه قصصا
تحكي قسوة الانسان وظلمة لأقرب الناس اليه. فالسيدة (أم ماجد) 58 سنة لها حكايتها مع
الجحود فقلبها يعصره الألم والحسرة: حيث تولى أشقاؤها ادخالها الى المستشفى لتجري عملية
جراحية في المعدة وفي ذلك الوقت امتنع زوجها من زيارتها بحجة العمل والانشغال وقد كان
منشغلا فعلا بامرأة اخرى تقول (أم ماجد):
فتح لها البيت ومنحها ثمرة تعبي وكفاحي
معه لينشغل بها ويتركني ولا يسأل عني وولداي اللذان حذيا حذو ابيهما معي بينما رفض
أشقائي أن أعيش معهم أو يتكلفوا بمساعدة أختهم بل زجوا بي في دار العجزة رغم أنني لم
أكن عاجزة ولا أعرف لماذا يفعلون بي هذا.. لكن لا مكان لي غير هذه الدار. وحكاية (أبو
محسن) 65 سنة كان موظفا يسكن مع زوجته المسنة في غرفة صغيرة بالإيجار وقد مضى على وجودهما
أربع سنوات وله ستة أولاد.. ثلاثة ذكور وثلاث اناث وجميعهم أرباب أعمال وأصغرهم يتجاوز
الخامسة والعشرين من العمر. وعلى الرغم من وضعهم المادي الجيد فقد تخلوا عن والديهم
بذريعة حاجتهما الى الرعاية الصحية وان كنا بحاجة اليهما فان المرض العصبي لا يحتاج
الى نفينا وهجرنا. يقول أبو محسن حيث لم يزرهما أحد من الأولاد: أليس هذا جحودا من
أولادنا؟ ويواصل أبو محسن كلامه: لقد عملت الكثير وجاهدت حتى وصلوا الى هذا المستوى
وكنت أعيش على أمل أن أجني يوما نتاج زرعي لكنهم رمونا خارج بيوتهم متخلين عني وعن
أمهم التي توفيت هنا دون أن يحضر أحد منهم. أنني حزين ومتألم جدا.. كيف لا يؤنبهم ضميرهم؟.
أما حكاية السيدة (فاطمة) 67 سنة وهي أرملة
رفضت الزواج بعد رحيل زوجها في حرب العراق مع ايران لكي تتفرغ لتربية ولدها الذي أوغل
في استغلالها ماديا حتى تعرضت الى حادث أقعدها عن العمل كخياطة. وحين لجأت الى بيته
رفض ان يستضيفها ويرعاها مما اضطرها الى ان تلجأ الى الجيران وعندما تدخلوا من اجل
ان يقوم الولد بواجبه تجاه والدته نقلها الى دار العجزة وقطع صلته بها تماما.
ننصح ببقاء المسن ضمن أسرته وبيئته
يقول الاستاذ عبدالكريم الهاشمي (ماجستير
في علم النفس) من المهم أن يبقى المسن ضمن أسرته وبيئته ونحن كمختصين في علم النفس
ننصح بذلك لأن الانسان وأي كائن حي يرفض انتزاعه من بيئته وسلخه من أسرته وتعرضه للأمراض،
ولا يمكن التعذر بالظروف الاقتصادية أو السكنية أو غيرها من المبررات، اذ ان ذلك كله
تنكرا وجحودا للأب والأم وانه بالإمكان ان ننظر الى هذا الشخص على انه غير مكتمل سواء
من الناحية الدينية أو الدنيوية، فالدين السمح أوصانا بطاعة ورعاية الوالدين واحترامهما
فالقرآن الكريم والكتب المقدسة والاحكام السماوية والاحاديث النبوية الشريفة شددت على
طاعة الوالدين ورعايتهما (وهل جزاء الاحسان الا الاحسان). هذا من الناحية الدينية أما
من الناحية الدنيوية فالأعراف الاجتماعية والقيم الانسانية النبيلة تحثنا على برهما
وأعانتهما اذ ان الابن العاق لا يعتبر سويا بالمفهوم الاجتماعي وربما على صعيد شخصي
ايضا لأن الشخصية نتاج اجتماعي وبالتالي سيكون الابن شخصية مدانة اجتماعية. ويضيف:
ان هذا الانسان سيعيش دائما تحت وطأة الألم وضغط تأنيب الضمير وهذا في حد ذاته يولد
له مشكلة نفسية ربما تتفاعل أكثر عندما يفقد والده الذي وضعه في هذه الدار من دون وجه
حق وسينتظر مصير ما حدث لوالديه ان كان مصيره هينا والمشاعر المؤلمة تكون اكبر قصاصا
للولد العاق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق