الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

" قلوب من فولاذ "



كان يعيش مع أمه في بيت واحد ليس معهما إلا خادمة ترعى شؤون أمه وتخدمها، إلا أنه كان قاسي الطبع سيئ المعاملة حتى مع أمه التي فقدت البصر وأصيبت بالشلل، فبدل أن يشفق عليها ويعاملها بعطف وحنان كان يسمعها بذيء الكلام يؤلمها ويجرح نفسيتها .

كان هذا الولد العاق يذهب مع أمه إلى (البنك) كي تتسلم راتبها الشهري فكان يجلسها على الكرسي المتحرك ويدفعها، وأثناء ذهابه بها إلى (البنك) كان يتذمر ويتكلم بكلام جارح فكانت تسمعه وهو يقول لها: «أنت عمية ومشلولة وأنا ابتليت فيك» وكانت تتألم ولكنها لا تتفوه بكلمة .

وتبكي من كلامه، وهو يزيد من كلامه المسموم فيقول: «والله لولا هذا المعاش كنت رميتك في دار العجزة» يقول هذا الكلام وهو ينفخ بحسرة وألم، والأم المسكينة يتقطع قلبها ألمًا عند سماعها كلام ولدها العاق، ثم يعود بأمه إلى البيت ويأخذ راتبها الذي قبضته من (البنك) ويتركها مع الخادمة, ثم يذهب يلهو ويلعب مع أصدقائه في الديوانيات والسفر والرحلات ولا يهتم بأمه ولا يسأل عنها ولا يبالي بما يجري لها؛ بل إنه كان يمنع أي أحد من أقرباء أمه أن يزورها أو يسأل عنها وإذا رأى أحدًا منهم طرده وأسمعه الكلام الفاحش وهدده وتوعده، وهكذا كانت هذه الأم البائسة تعاني الويل من هذا الولد العاق، ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئًا .

وفي يوم من الأيام سافر الولد مع مجموعة من أصدقائه إلى إحدى البلدان المجاورة وكان سفرهم بالسيارة، وبعد أن قضوا أجازتهم عادوا إلى البلاد وهم في طريق العودة انقلبت بهم السيارة وكانت إصابتهم طفيفة إلا الولد العاق فقد أدخل غرفة الإنعاش؛ وظل في المستشفى حوالي شهر ثم خرج من المستشفى على كرسي متحرك مشلولاً لا يستطيع الحراك، وتكررت صورة ذهابه إلى (البنك) ولكن بدل أن يذهب مع أمه وهو يدفعها وهي على الكرسي المتحرك لتسلم راتبها كان هو يجلس على الكرسي وتدفعه الخادمة كي يتسلم راتبه .

إن الأم محبة وحنان لا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها، ولكن بعض الأبناء قد قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة والله عز وجل عزيز ذو انتقام، وعقوبة عقوق الوالدين معجلة في الدنيا .

وها نحن بعد أن قرأنا هذه القصة قد عرفنا عاقبة العقوق فمن كانت أمه حية؛ فليحمد الله وليقبل رأسها ويديها وقدميها فالله عز وجل يكرم المرء بدعاء والديه، ومن فقد والديه؛ فليدع لهما ويستغفر لهما؛ لعل الله يجمعهم في مستقر رحمته إنه سميع عليم( كما تدين تدان، سيد الرفاعي ) .


0 التعليقات:

إرسال تعليق