الأحد، 25 أكتوبر 2015

في دار المسنات "نضب" دمعي من كثرة انهماره!!


بقلم - د. منيرة عبدالله القاسم@
    الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والسلام على خير الأنام نبي الرحمة وعلى آله وصحبه أزكى السلام.
إليكم أعزائي القراء خواطر كتبت بعضها في لحظتها والأخرى في طريق عودتي إلى البيت بعد الزيارة التي لا تنسى، وأتممت بقيتها بعد وصولي للبيت، وقد حرصت على أن يشاركني فيها أكبر عدد لأنها كلمات صادقة ترجمت مشاعر وانطباعات حقيقية كما رأيتها وأحسستها لا هدف لي من ورائها إلا الخير والفائدة.
لا أدري لماذا كان قراري بالموافقة سريعاً وحاسماً حين عرضت علي الأستاذة: أسماء القصبي مسؤولة اللجنة الاجتماعية بالقسم النسائي بالندوة العالمية للشباب الإسلامي فكرة زيارة دار المسنات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية بمدينة الرياض، هل كان الفضول؟ أم الرغبة في الأجر والتخفيف من معاناة هذه الفئة وتعويضهن فقد عاطفة الأبناء؟ أم سبب آخر شدني لذلك، المهم كانت الزيارة.
لا أخفي عليكم الصورة التي رسمتها للدار وساكنيها قبل زيارتي يكفي أن أقول إنها صورة قاتمة، لا أدري لماذا رسمت هذه الصورة هل هو نتيجة ما سمعته عن بعض صور عقوق الأبناء بآبائهم؟ أم ما شاهدته عبر وسائل الإعلام التي تصور دور العجزة بما تحويه من بؤس وشقاء وحرمان؟
ركبت سيارتي قبل موعد الزيارة بنصف ساعة وتوجهت للموقع الذي وصف لي، وحين اقتربت من الموقع كانت البداية لتغير تلك الصورة، كيف؟
لكم تملكني العجب والفرح في آن واحد بعد وصولي للمقر الذي بدأ شامخاً وقد صمم بطريقة حديثة، وبمجرد دخولي من بوابة (3) وهو الباب المخصص لقسم النساء.. وجدتني أمام فناء واسع يكسوه بساط أخضر يحيط به رصيف منسق وقد نصبت أرجوحة توحي بالمرح على جانب الحديقة..
بعد أن دلفنا أنا ورفيقاتي من أعضاء اللجنة النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي لداخل المبنى أحسست بالجمال، لا أدري هل هو جمال البناء أم التصميم أم التأثيث أم الترتيب أم النظافة التي توحي بها جنبات المكان..
دخلت فإذا صالتان واستعتان اثثتا بمقاعد انيقة وبسيطة، استقبلتنا المشرفة والمختصات الاجتماعيات بابتسامة وترحيب غاية في الذوق، وكانت بعض النزيلات (بضع وعشرون نزيلة) كمن تهيأ للقيا قريب، بعضهن أحضر بكراسي متحركة وبعضهن بمساعدة العاملات وبعضهن الآخر كان يتمتع بصحة جيدة.
نزعنا العباءات وتجمعنا في إحدى الصالتين وبدأنا بالسلام عليهن بحرارة، وكنت أثناء مصافحتي وتقبيلي لهن أحاول أن استشعر مابداخلهن من خلال تأمل تقاسيم وجوههن وتعابيرها وتفاعلهن معي..
لقد رأيت وجوهاً يعلوها الوجوم ووجوه سطرت الهموم والآلام عبرات لا يعلم بها إلا الله، ووجوه يعلوها ابتسامة بريئة، وأخرى يبدو أن الدمع قد نضب من كثرة انهماره..
إحداهن يبدو أن سلامي أسعدها فقد أمسكت بيدي بشدة وكأنها لا تريد أن تنفلت منها وكم فرحت بسؤالي عنها وعن صحتها، فأخذت تعرف بنفسها: أنا (فلانة)، وأخرى كانت ترد ردوداً مقتضبة عند السؤال عن حالها وعن صحتها، ومنهن من قابلت سلامي ببرود. والشيء الذي لفت انتباهي هو مظهر النظافة الذي لم يكن محصوراً في المكان؛ بل لمسته في الرائحة الطيبة للنزيلات، وقد عبرت عن ذلك صراحة لإحداهن فقلت لها: رائحتك حلوة يا خالة، كانت ردة فعلها ابتسامة عريضة ترجمت سعادتها بهذا الثناء. وقد عرفت من خلال حديثي مع بعض المسؤولات في نهاية الزيارة أن الدولة قد تكفلت بتوفير كل الاحتياجات الشخصية للنزيلات، وكذلك الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والنفسية بعد سؤالي: ماذا يمكن ان نقدم لهن في الزيارة المقبلة؟
وبعد السلام اخذت كل واحدة منا مكانها في الصالة، وقدمت لنا المشرفة وإحدى الموظفات القهوة العربية وبعض الحلوى. كانت الجلسة شبه عائلية مع نزيلات الدار والموظفات اللاتي شاركننا تناول القهوة.
وخلال الدرس القصير الذي ألقته إحدى مرافقاتنا عن الصلاة وأهميتها بدا اهتمام بعضهن بالموضوع وتفاعلن معه وشاركن في الإجابة عن بعض الاسئلة، وطوال الدرس كانت إحدى (الخالات) الكبيرات في السن ترفع يديها بين الفينة والفينة تدعو الله، وكثير منهن كان في عالم آخر!
وأعجب ما لفت نظري ما أبدته بعض المسنات من تفاعل حين رأين طفلة لم يتجاوز عمرها السنة برفقة والدتها - إحدى نزيلات الدار - حيث تهللت وجوههن وهن يتابعن حبوها نحو الطاولة؛ لذا طلبت من أمها بأن تتيح لهن تقبيل الصغيرة والسلام عليها، لقد فاقت ردة الفعل تصوري، لقد أبدت إحداهن الرغبة الشديدة في ضم الطفلة وأمسكت بها بكلتا يديها وهي تقبلها رغم تمنع الصغيرة اما الاخرى فأخذت تقبلها وهي تتأمل وجهها الصغير. كم يحب الكبار براءة الصغار..
لقد أحسست تلك اللحظة بعظم الأجر في إدخال السرور في نفوس هذه الفئة التي أجبرتها الظروف على هذا الوضع، ورغم قصر الزيارة التي لم تتجاوز الساعة والنصف إلا أن الأثر لا يمكن قياسه، لقد عرفت من خلال حديثي مع بعضهن بأن لكل واحدة منهن أبناء وأهل.
وبعد عودتي حدثت أفراد اسرتي وأهلي عن زيارتي الذهبية مما حفزهم للقيام بزيارة مماثلة، وقد عقدنا النية بإذن الله بأن ننظم رحلة عائلية وتنفيذ برنامج ترفيهي مع نزيلات الدار والعاملات فيه.
ولي وقفات مع هذه الزيارة:
1- الوقفة الأولى: هي وقفة إكبار ووفاء وكلمة حق يجب ان تقال في حق حكومتنا الرشيدة التي هيأت كل الإمكانات وسبل الرعاية والعناية بالفئات الخاصة في المجتمع وهذا نموذج منها؛ ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فلله الحمد والمنة الذي هيأ لنا ولاة أمر يحرصون على رعيتهم ويتلمسون احتياجاتهم ويسمعون صوتهم، فلهم منا الشكر وكل التقدير والحب والولاء.
2- الوقفة الثانية: مراجعة النفس وتأمل الواقع، فهل قمنا بحقوق آبائنا وأمهاتنا؟ فإن كانوا أحياء فالفرصة سانحة هذا آوانها. وإ نكانوا أمواتاً فلنبرهم بالدعاء والصدقة.
3- الوقفة الثالثة: لكل من يملك صحة ومالاً ووقتاً وعلماً؛ بأن لا يبخل بشيء من ذلك لأي محتاج، فهناك من هو بحاجة إلى الشعور بالاهتمام، وهناك من هو بحاجة للدعم المادي، وهناك من يحتاج الى معلومة ونصيحة، وهناك من هو بحاجة إلى الدفء العاطفي والجو الأسري وهناك من يريد ان يشعر بإنسانيته على اقل تقدير. فماذا نملك وماذا يمكن ان نقدم لمجتمعنا ولإخواننا في الإنسانية؟
الوقفة الرابعة:
هي دعوة لنفسي قبل أن أوجهها لغيري بضرورة مراجعة حساباتنا وتأمل أسلوب حياتنا، ومراجعة جادة لأهدافنا وأولوياتنا واهتماماتنا، فهل عانقنا السماء بسموها؟ أم قاربنا أن نمس الثرى بتفاهتها وسطحيتها؟
أخيراً.. وما دام في العمر بقية فلنسارع للخيرات وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجه طلق"، إن ما فعلناه خلال زيارتنا لهذه المؤسسة لم يكلفنا سوى إطلاق ابتسامة في وجوه فقدتها من أقرب الناس إليها.
فماذا بعد؟ وكثير منا يملك من الإمكانات ما يستطيع أن يسعد بها أنفساً، ويبني بها مجتمعاً، ويكسب بها أجراً، ويحقق له قبل كل شيء سعادة في الدارين بإذن الله.
@ رئيسة اللجنة النسائية
الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض

هناك تعليقان (2):

  1. يمكنك الآن الحصول على خدمات رعاية المسنين بالمنزل المتكاملة و ذلك عن طريق التواصل مع اكبر دار مسنين موجودة في مصر والتي تتميز بانها تقدم لكم اقل اسعار دار مسنين بالقاهرة حتى يتمكن كبار السن من الحصول على خدماتنا

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف